تعريف علم الاجتماع الرقمي
مقدمة:
نشأ علم الاجتماع فى رحم أزمة المجتمع
الغربى فى القرن التاسع عشر، وأستمرت الأزمات تلاحم علم الاجتماع فى كل مرحلة من
مراحل تطوره؛ حيث ظهرت أزمة الممارسة فى عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، ثم
ظهرت أزمة الإمبيريقية فى ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، كما شهد علم الاجتماع
فى الثمانينيات والتسعينيات أزمة الإيديولوجيا، كما تعمل العولمة حديثاً على تكريس
أزمة هذا العلم.
وجدير بالذكر، إنه إذا كانت الأزمات تلازم
علم الاجتماع فى كل مرحلة من مراحل تطوره، فإنه لم يكن يقف من هذه الأزمات دون
إستجابة، وإنما حاول التكيف مع أزمة الممارسة، وأعاد بناء النظرية الماركسية،
ويشهد على ذلك إضافات النظرية النقدية ومدرسة فرانكفورت فى هذا الصدد، كما أن حاول
التوافق مع أزمة الإمبيريقية، وبلور مدخل العلوم البينية Interdisciplinary
والعلوم المتباعدة Pradisciplinary
ومدخل التأويل أو الهرمنيوطيقا Hermeneutics
كما عبرت عنه كتابات هذه المدرسة، كما حاول علم الاجتماع التكيف مع أزمة
الإيديولوجيا، والنظرية الوظيفية، من خلال تطوير نظريات راديكالية، مثل التفاعلية
الرمزية والإثنوميثودولوجيا؛ فتحول علم الاجتماع من دراسة الأنساق والنظم الى
دراسة الفعل الاجتماعى، والتفاعل، والتركيز على ظواهر الحياة اليومية بإعتبارها
تشكل ميداناً لاهتمام علم الاجتماع.
واليوم، لم يترك علم الاجتماع
أزمته تستمر بفعل العولمة، وإنما حاول أن يتكيف معها، بل ويعمل على إعادة بناء
ذاته، وذلك من خلال إعادة النظر فى موضوع إهتمامه، وميدان إختصاصه، وكذا من خلال
بلورته تيارات نظرية جديدة، وإستراتيجيات منهجية مغايرة، وأجندة بحثية مختلفة،
رسمت مستقبل علم الاجتماع عالمياً، وقدمت تيارات أكثر ثراءً، واستطاع معها أن يسهم
فى علاج مشاكل الحياة اليومية، وعملت الأوضاع الحالية على دعمه وتعزيز موقفه بعد
أن كان متداعياً؛ وهو ما ترتب عليه ظهور فرع جديد لعلم الاجتماع ـ علم الاجتماع الرقمى.
وتهدف الورقة
الراهنة الى الكشف عن بداية ظهور علم الاجتماع الرقمى، والمقصود به، وأهم النقاط التى يهتم بدراستها
علم الاجتماع الرقمى، وأهم المفهومات والموضوعات التى يهتم بدراستها، أسباب الإهتمام بعلم الاجتماع الرقمى ، وتنطلق
الدراسة الراهنة من عدة تساؤلات تسعى من خلالها الى تحقيق أهدافها، وهى على النحو
التالى:
1)
متى كانت بداية ظهور علم الاجتماع الاجتماع
الرقمى؟ ومن أبرز المتحدثين عنه؟
2)
ما المقصود بعلم الاجتماع الرقمى؟
3)
ما النقاط التى يحتوى عليها علم الاجتماع الرقمى؟
4)
ما الأسباب التى تدعو الى الإهتمام به؟
5)
ما أبرز المفهومات والموضوعات المرتبطة بعلم
الاجتماع الرقمى؟
وتحاول الدراسة الإجابة على تلك التساؤلات، على النحو
التالى:
أولاً: بداية ظهور علم الاجتماع الرقمى:
برز موضوع علم الاجتماع الرقمى، فى غضون عام 2009، عندما نشر العالم جوناثان
وين Jonathan R. Wynn مقالته حول علم
الاجتماع الرقمى Digital Sociology: Emergent Technologies in the Field and the Classroom وحاول فيه تقديم خبرته
البحثية الخاصة بالعلاقة الحتمية بين التكنولوجيا وعلم الاجتماع، مقترحاً أن
التفكير بطريقة تأملية حول استخدام التكنولوجيا قد يعزز من قدرات علماء الاجتماع
عندما يقومون بأبحاثهم أو عندما يقومون بتدريس ذلك العلم.
كما يعود زيادة الاهتمام بذلك التخصص الى المملكة المتحدة، ورابطة علم
الاجتماع البريطانية، والتى أقامت مؤتمر لعلم الاجتماع الرقمى، أوضحت فيه المبادئ
الموجهة لإجراء البحوث الرقمية، وتم صياغتها فى صورة مسودة، وتم التوصية فيه بمزيد
من التعاون بين تخصصات متنوعة، خاصة فى ظل ندرة تمثيل الباحثين لعلم الاجتماع
الرقمى فى ورش العمل والمؤتمرات والمنشورات.
ثانياً: المقصود بعلم الاجتماع الرقمى:
ويعد علم الاجتماع الرقمى هو أحد الفروع الجديدة فى علم الاجتماع التى تعد
تحدياً فى التعامل مع الاساليب الرقمية، والممارسات المعلوماتية، والاستخدام
المجتمعى للبيانات، وكان
ذلك محوراً لبحوث العلوم المعلوماتية لعدة
عقود؛ ومع تجدد الإهتمام بذلك الموضوع من قبل علماء الاجتماع يخلق فرصاً وتحديات لباحثى
المعلومات الذين يقومون بدمج الأساليب والمناهج النظرية فى عملهم.
فهو أحد فروع علم الاجتماع ويهتم بتوضيح وتحليل كيفية جعل البيانات الرقمية
مولدة ومنتجة لمعرفة جوهر المشكلات الاجتماعية المعاصرة، إعتماداً على العديد من
الأساليب والمناهج الرقمية والبحوث الفلسفية والسوسيولوجية، ويتيح فرصة للتحليل
النقدى للبحوث الاجتماعية على نظاق واسع، كما أنه دليل مثالى على تطور المناقشات
التى تتم حول السلوك الاجتماعى بصورة رقمية، ومقدمة جديدة لمناقشات متعددة
التخصصات.
ثالثاً: أهم النقاط التى يهتم بدراستها:
فظهر علم الاجتماع الرقمى كظاهرة جديدة نتيجة
لجهود العديد من علماء الاجتماع ووسائل الإعلام ودراسات التواصل الاجتماعى
الرقمية، ويركز ذلك الفرع على أربعة نقاط رئيسية؛ الأولى: استخدام وسائل الإعلام
الرقمية من قبل علماء الاجتماع، والثانية؛ البحوث الاجتماعية حول استخدام
التكنولوجيا الرقمية، والثالثة؛ استخدام البيانات التى تم إنشاؤها رقمياً،
وأخيراً؛ التحليلات النقدية لوسائل الإعلام الرقمية فى المجتمع.
رابعاً: أسباب الإهتمام بعلم الاجتماع الرقمى،
وموضوعاته:
حدث تغير كبير فى ثقافة المجتمعات،
نتيجة لاستخدام أشكال جديدة من الإتصالات التى تعتمد على التكنولوجيا الرقمية على
نطاق واسع، وعلى الرغم من ذلك فإن العلوم الاجتماعية لازالت تحلل ذلك بطريقة
تقليدية، خاصة عند محاولتها معرفة آثار التكنولوجيا الرقمية على
المجتمعات؛ هذا من جانب، كما باتت التغيرات التكنولوجية تمثل تحدياً كبيراً لعلم
الاجتماع فى الوقت الراهن، فيقال إن بقاء علم الاجتماع يعتمد على التكنولوجيا، هذا
ولا يتعلق الامر بتحسين الجوانب التكنولوجية للبحوث كالتحليل الكمى للشبكات الاجتماعية
على الإنترنت على سبيل المثال، فحسب، وإنما بالنهوض باستخدام التكنولوجيا الى
الخيال السوسيولوجى، وضرورة التحديث النظرى والمنهجى لعلم الاجتماع ككل.
فعلم الاجتماع الرقمى بات خطوة حاسمة ولابد مها لأى شخص مهتم بالحث الاجتماعى
باستخدام البيانات الرقمية، ويؤكد ذلك الفرع من علم الاجتماع على ضرورة لا غنى
عنها لطلاب المرحلة الجامعية والدراسات العليا، وهى أخذ دورات فى علم الاجتماع
الرقمى، ووسائل الإعلام الرقمية، والحاسب الآلى، فلا يقتصر إهتمامه على المجالات
التقليدية علم الاجتماع كالثقافة والعمل والتعليم والعرق والطبقة والمساواة بين
الجنسين، فهو يغطى مجموعة واسعة من المواضيع بما فى ذلك تحليل الشبكات الاجتماعية
والتقنيات التى يمكن استخدامها وتحليل وسائل الإعلام الاجتماعية والعمل الرقمى،
فيضع العمليات الرقمية فى مقدمة الاهتمامات الاجتماعية المعاصرة، وكذا موضوعات
أخرى كالمواطنة الرقمية، والتظيمات الرقمية، ومناهج علم الاجتماع الرقمية،
والثقافة الرقمية، والعلاقات الرقمية، والبحوث الرقمية، والفضاءات الرقمية،
والممارسات الرقمية، والمستقبل الرقمى، والمدينة الرقمية، والمساواة وعدم المساواة
الرقمية.
الكاتب: محمود أبوالخير أحمد
0 Comments
إرسال تعليق